نظريات المراهقة Les théories de l'adolescence
مقدمــــــة: إن أهمية المراهقة كمرحلة من المراحل العمرية في حياة الشخص، دفعت العديد من الباحثين النفسيين والاجتماعيين إلى الاهتمام الكبير بدراستها ومعرفة خصائصها ومميزاتها هذا الاهتمام الكبير أدى إلى ظهور عدة نظريات لمجموعة من الباحثين الذين حاولوا تفسير المراهقة كل من وجهة نظر تخصصه واهتماماته.
إن تعدد النظريات المفسرة لظاهرة "المراهقة" لدليل على تعقد الظاهرة وتداخل مختلف مظاهرها وتشابكها، وتعدد العوامل المؤثرة فيها.
جل هذه النظريات تتفق في كون المراهقة تشكل مرحلة خاصة من مراحل نمو الفرد، ترتبط بالتغيرات العضوية والجسمية. إلا أنها تختلف في تحديد وتقرير مدى تأثير هذه التغيرات العضوية على السيرورة النفسية وتطورها.
سنتطرق في هذا الورقة البحثية إلى الحديث عن سبع نظريات:
النظرية العضوية؛
النظرية الاجتماعية الثقافية؛
نظري التحليل النفسي؛
النظريات السلوكية؛
نظرية المجال.
نظرية "ألبورت".
علم النفس المعرفي لبياجي.
النظرية العضوية في تفسير المراهقة
رائد هذه النظرية هو العالم الأمريكي "ستانلي هول" مؤسس سيكولوجية المراهقة ويعود له الفضل في إدخال مرحلة المراهقة إلى مجال الدراسات النفسية المعاصرة وذلك منذ 1882. وهو أول من درس المراهقة لذاتها دون ربط خصائصها بالوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه المراهق.
صدر له كتاب يتحدث فيه عن المراهقة سنة 1882، يتكون من جزأين؛ الأول يفوق 580 صفحة والثاني يتجاوز 780 صفحة.
"ستانلي هول" والمراهقة:
"هول" في دراسته للمراهقة يعتمد على الملاحظة والتحليل النظري لهذه المرحلة في ذاتها وفي معزل عن الوسط الاجتماعي.
إن "هول" يعتبر المراهقة "ولادة ثانية" أو ميلادا جديدا للإنسان في حياته وتصوره، مع ما يصحب ذلك من تغيرات عضوية تنتابه خلال هذه المرحلة، واستيقاظ بعض الدوافع الكامنة في حياته.
من خلال الوقوف على هذه الخاصية، نلاحظ أنها لم تأت بأي جديد يذكر؛ إذ تؤكد على أن المراهقة مظهر نفسي للمتغيرات الفيزيولوجية.وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على تأثر "ستانلي هول" بالكتابات الفلسفية القديمة كأرسطو في عهد اليونان، وجون جاك روسو في القرن الثامن عشر.
إلا أن الجديد عند "هول" هو في اعتباره للمراهقة "مرحلة أزمة"؛ منطلقا في تفسيره هذا من أن البلوغ، كفترة انتقالية، تفصل ما بين مرحلة الطفولة ومرحلة المراهقة، وبالتالي فهذه الفترة هي التي تعطي للمراهقة خاصيتها ونوعيتها. فهذه الفترة (البلوغ) تعمل على فصل تام وفجائي للمرحلة السابقة على المراهقة والمراهقة نفسها لتخلق منها ولادة جديدة محدثة بذلك قطيعة وانقلابا جذريا في حياة المراهق. وهذا الانقلاب هو الذي يؤدي إلى فقدان التوازن، الشيء الذي يصعب معه التكيف مع البيئة الاجتماعية. ويرى "هول" هنا بأن جميع المراهقين مهما اختلفت بيئاتهم وثقافتهم يجتازون نفس المرحلة ويتميزون بنفس الخصائص.
فهذه النظرية في حديثها عن المراهقة، لا تنفي بشكل مطلق آثار الثقافة على شخصية الفرد وإنما هي لا تعير لعوامل البيئة الثقافية سوى حظا قليلا، فهي تركز بالضرورة الأولى على دراسة التغيرات الفيزيولوجية والعضوية ودورها في التأثير على السلوك الملاحظ للمراهق.
اعتماد هذه النظرية أيضا على ما يسمى بنظرية "التلخيص والاستعادة". يعتبر "هول" هذه النظرية (التلخيص والاستعادة) من أهم مرتكزاته التي تستند عليها آراؤه المفسرة لمرحلة المراهقة، وتعني هذه النظرية؛ أن الإنسان في مختلف مراحل نموه وتطوره إنما يعيد صناعة تاريخ الجنس البشري.
بمعنى أن الطفل وإلى حدود سن 14 يجتاز طورا من النمو شبيه بالمراحل البدائية في تاريخ الإنسانية. وهو في هذه المرحلة قريب من الحيوان كنوع.
أما المراهقة فتقسم إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى: هي شبيهة بتلك المرحلة التي يسعى من خلالها الإنسان إلى الانتقال من الحياة والمراحل البدائية إلى صور وأشكال الحياة المجتمعية الأكثر تحضرا.
المرحلة الثانية: و تقترن بتكوين وتشكيل المجتمعات المتحضرة.
ترى النظرية العضوية أن المراهقة أيضا "فترة العواصف والتوتر النفسي"، نتيجة السرعة في التغيرات على مستوى السلوك وكذلك حتى الطبيعة الضاغطة لناحية التوافق في هذه المرحلة. ذلك أن مزاج المراهق وسلوكه الانفعالي يمتاز بالتعارض والتناقض بين الأنانية والمثالية بين الحب والكره بين الحنان والقسوة...
من جديد، نذكر بأن هذه النظرية في تفسيرها للمراهقة، لا تعير اهتماما كبيرا للبيئة الثقافية، إذ تعتمد على ملاحظة السلوك وعلى التحليل النظري، وتذهب إلى أن التغيرات الملاحظة على مستوى السلوك لدى المراهق مرتبطة أساسا بالتغيرات الفيزيولوجية ذات العلاقة بوظائف الغدد.
النظرية الاجتماعية والثقافية
اهتم الاتجاه الاجتماعي والثقافي والأنثربولوجي، هو الآخر، بظاهرة المراهقة وحاول فهمها وتفسيرها من وجهة نظر خاصة مختلفة عن النظرية العضوية.
رائدة هذا الاتجاه هي العالمة الأنثروبولوجية والسيكولوجية الأمريكية "مارجريت ميد M.Mead". اهتمت بالثقافة البولينيزية وغانا الجديدة وأندونيسيا، و ركزت على ملاحظة سلوك الأطفال والمراهقين وأثر التربية في تكوين الشخصية. وكان أول كتاب لهذه العالمة يتحدث عن المراهقة قد صدر سنة 1928.
إن العامل الرئيس الذي دفع "ميد" إلى التوجه للاهتمام بهذه الثقافات، والتي تختلف كثيرا عن الثقافة الأمريكية، هو محاولة التأكد من مدى صحة الموقف أو الطرح الذي تبناه أستاذها "Boas" الذي عارض به وجهة نظر "جالتون". هذا الطرح الذي يقول إن الاضطرابات التي يعاني منها المراهقون الأمريكيون لا ترجع إلى أزمة البلوغ وما يلحقها من تغيرات عضوية، وإنما ترجع إلى الصعوبات التي يقابلهم بها المجتمع.
"مارغريت ميد" والمراهقة:
تنفي "ميد" ما ذهبت إليه الدراسات التقليدية خاصة منها النظرية العضوية التي تعتبر، كما سبقت الإشارة، أن خصائص "المراهقة" تتحدد من خلال التغيرات البيولوجية والعضوية التي تحدث أثناءها، دون الحديث عن العوامل الخارجية، والثقافية المحيطة بالخصوص.
وتشير "ميد" إلى أن وجود الأزمة أو غيابها، مسألة ترتبط بالبيئة الاجتماعية ونمط الثقافية السائدة وأساليبها في التنشئة الاجتماعية.
والنتيجة التي وقفت عندها "ميد" في دراستها للمجتمعات البدائية، أن الفرد في هذه المجتمعات أثناء مرحلة المراهقة، ليس أكثر اضطرابا من الفترات المبكرة أو المتأخرة. فالمراهق يعيش مرحلة هادئة لا يعرف من خلالها أية أزمة، لأن رغباته لا تقابل بأية موانع أو محظورات نظرا لطبيعة الثقافة السائدة، بخلاف ما يحدث للفرد في البيئة الثقافية الأمريكية. وهذا ما يفسر الفوارق الموجودة في ملامح شخصية المراهق في كلتا الثقافتين المختلفتين.
لقد عملت "ميد" على فتح المجال للبحث في "المراهقة" ثمَّ من خلالها ربط فترة "المراهقة" بالمستوى الحضاري والثقافي للمجتمع الذي يعيش فيه المراهق.
إن رواد المدرسة الاجتماعية والثقافية يرون بأن الفوارق الملاحظة في سلوك المراهقين ترتبط بدرجة كبيرة باختلاف البيئة الثقافية، بل يذهبون إلى أكثر من ذلك حينما يفسرون بأن عدم الاستمرارية في تطور سلوك الفرد وتكوينه يُعزى إلى عدم الاستمرارية في الظروف والأحوال الاجتماعية وتوقعاتها، مؤكدين على ضرورة الاشتراك التدريجي للمراهقين في أنماط السلوك لدى الكبار للحيلولة دون تعرضهم للأزمات النفسية والاضطرابات في السلوك والتي قد تُنَغِّص حياتهم.
إن المدرسة الاجتماعية والثقافية، تعتبر بأن سيكولوجية المراهق في مجموعها ترجع إلى طبيعة القيم والشروط التي يضعها الوسط الذي يتطور فيه المراهق، والذي يحد ّ أو يضبط السلوك الجنسي أو غيره من أنواع السلوك الذي يمكن أن يصدر عنه كشخص في أشد فترات النضج.
نظرية التحليل النفسي
تتميز هذه النظرية بكونها لا تتفق والنظريتين السابقتين، لأنهما تنظران للمراهقة كولادة جديدة، دون ربطها بالمراحل السابقة عليها أو اللاحقة.
هذه النظرية تعتبر حياة الفرد عبارة عن نمو متواصل، فالراشد تمتد جذوره إلى المراهق الذي كان عليه من قبل، والمراهق بدوره تمتد جذوره إلى الطفل الذي كان عليه. بمعنى آخر أن نمو الفرد يتم عبر سيرورة عضوية مترابطة الحلقات، إذ لا يمكن الحديث عن المراهقة دون التطور إلى مرحلة الطفولة وهكذا.
ومن أبرز رواد هذه المدرسة، نجد الطبيب النمساوي "فرويد Freud"، مؤسس علم النفس التحليلي، الذي وضع تصورا ثلاثي الأبعاد للشخصية:
- البعد الأول: "الهو"؛ الذي يسعى إلى تحقيق اللذة بغض النظر عن أي شيء آخر يحول دون هذا التحقيق. هذا البعد نجده حاضرا بقوة عند الوليد الذي يلجأ غالبا للبكاء والصراخ أمام أي عائق يحول دون الاستجابة لحاجياته.
- البعد الثاني: "الأنا"؛ يمثل الواقع ومقتضياته. يدخل في صراع مع رغبات "الهو" وحاجياته والتي لا تعير الواقع أي اهتمام.
- البعد الثالث: "الأنا الأعلى"؛ قوة منظمة ضابطة كونتها التنشئة الاجتماعية وأطرت التربية مجالها ورسمت معالمها وآفاقها. وعندما يبرز "الأنا الأعلى" كقوة تقوم بدورها، يبرز "الأنا" ليقوم بدور الوسيط بينه وبين رغبات "الهو" وذلك بإحداث نوع من التوازن.
وحسب هذه المدرسة فإن هذه الأبعاد الثلاثة المكوّنة للشخصية تتعرض لعدَّة تغيّرات خلال فترات المراهقة نتيجة البلوغ؛ فلقد انضافت إلى رغبات "الهو" دوافع ورغبات التناسل والتكاثر. أما "الأنا الأعلى" فالتغير مسَّ بالأساس الجانب العاطفي الوظيفي، فالمراهق يحاول أن يستقل عن الوالد الذي يتفق معه في الجنس، والدخول فيما يعرف ب"المرحلة الأوديبية" مما يؤدي إلى اهتزازات في سلوك الفرد وبالتالي الانتقال من الطفل الهادئ الساكن إلى الطفل المجادل لأقرب الناس إليه.
إلى جانب هذه "المرحلة الأوديبية"، تتميز مرحلة "المراهقة" باتساع علاقات المراهق الاجتماعية التي أصبحت تتجاوز محيط الأسرة في محاولة منه لتأكيد نموه ونضجه الفكري. يمكن القول إذن إن المراهق يمر بأزمة البحث عن الهوية.
إن هذه النظرية تسعى إلى تأكيد أنه لا يمكن فصل أي مرحلة من مراحل نمو الفرد عن بقية المراحل الأخرى عند دراسة مرحلة من المراحل؛ فسلوك الفرد يأتي محصلة تفاعل الأبعاد المكونة لشخصية الإنسان في مختلف مراحل نموه.
لذلك نجد "فرويد" يقسم النمو عند الفرد إلى مراحل أطلق عليها اسم: مراحل النمو النفسي؛ وهي:
- المرحلة الفمية: ويكون فيها الفم بمثابة المنطقة الشبقية لتحقيق اللذة وخفض التوتر.
- المرحلة الشرجية: طرح الفضلات يشكل مصدر إزالة التوتر والقلق والشعور بالارتياح.
- المرحلة القضيبية: وتظهر بعد السن الثالثة حيث تصبح المنطقة اللذية الثالثة هي العضو التناسلي. (عقدة أوديب).
- فترة الكمون: وتكون مع حلول السنة السادسة، تتزامن مع الاحتكاك بالوسط المدرسي، فينفتح الطفل على العالم الخارجي ومظاهره، فتبرز لديه عقلية وقدرات جسمانية، وخلالها تتسع علاقاته الاجتماعية.
- المرحلة التناسلية: تتزامن ومرحلة البلوغ والمراهقة، فتظهر عدة رغبات؛ رغبة التناسل، رغبة التفكير في الاستقلال، التفكير في تكوين أسرة، التفكير في العمل وتحمل المسؤولية.
ترتكز نظرية "التحليل النفسي" على الجانب الجنسي الانفعالي في حياة الفرد وسلوكه والتركيز على الجوانب البيولوجية وتأثيرها على السلوك؛ وقد حصرت هذه النظرية نمو الطفل في الإطار الثلاثي (الطفل – الأب – الأم).
ضمن هذه المدرسة نجد عالم آخر هو "إريكسون"، وهو عالم أمريكي من أصل ألماني بحيث يعد من أكبر المحللين في مجال الدراسات النفسية، الذي جاء ليعزز ما جاء به "فرويد"؛ إلا أنه تجاوز "الإطار الثلاثي" الضيق، ليصوغ نمو الطفل في قالب أوسع يشمل "إطار الأسرة وإطار المجتمع" بكل ثقله الثقافي والتاريخي والتراثي. وكانت معظم أبحاثه تركز على جانب البحث عن الهوية لدى المراهقين، وأن احتكاك المراهق بالواقع المجتمعي الذي يؤطره الظرف التاريخي الذي يعيش فيه هو الذي يكسبه إمكانية تأكيد أو نفي ذاته.
كما يؤكد "إريكسون" على أن الأزمات التي ترافق نمو الفرد وتطوره يمكن تفسيرها دائما بتحليل الأزمات التاريخية التي تميز تطور المجتمعات.
إن نظرية "التحليل النفسي" تعتبر "المراهقة" ليست ولادة جديدة بقدر ما هي إعادة تجديد نشاط العديد من العمليات التي تتم منذ الطفولة.
النظريات السيكولوجية
إذا كانت "النظرية العضوية" تركز في تناولها لمرحلة المراهقة على التغيرات العضوية ودورها في تحديد ملامح المراهقة، وكانت "النظريات الاجتماعية و الأنثربولوجية والثقافية" تهتم أكثر بالثقافة وبالمستوى الحضاري للمجتمع في تحديد سمات المراهقة، وكان "التحليل النفسي" يولي اهتمامه إلى الدوافع والانفعالات في توجيه دورات النمو، فإن "النظريات السيكولوجية" اهتمت بأبعاد أخرى من الشخصية، دون أن تهمل بالطبع اهتمامات النظريات السابقة الذكر.
إن النظريات السيكولوجية كثيرة ومتعددة، إلا أننا سنقتصر على أهم هذه النظريات، أولها:
نظرية المجال:
صاحبها هو العالم الأمريكي "كارت ليفين"، وهو من الباحثين البارزين في "نظرية الجشطالت" التي تقول بأن الكل ليس هو مجموع أجزائه.
فلقد وظف "ليفين" النظرية الجشطالتية في تفسيره لمرحلة المراهقة فهو يعتبر الفرد جهازا تؤثر فيه المكونات الداخلية والخارجية في تفاعل مع بعضها البعض. بمعنى آخر، يركز على سلوك لا ينبغي عزل أي متغير من المتغيرات المؤثرة فيه عن بقية العناصر الأخرى.
إن "ليفين" في توظيفه للنظرية الجشطالتية، يسعى إلى استدخال جميع العوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية التي تتم من خلال مرحلة المراهقة. هذا الاتجاه دفع هذا العالم إلى وضع ستة أبعاد متميزة ومترابطة تشكل أساس نظرية المجال:
- البعد الأول: تغيير الانتماء للجماعة.
- البعد الثاني: الدخول في وضع غير محدد؛ وضع غير واضح، وضع غير مألوف.
- البعد الثالث: الواقع الجسمي؛ هذا الواقع أو الحقيقة الجسمية هي المنطقة التي تحل مكانا مركزيا في المجال السيكولوجي (حسب ليفين)؛ فالبلوغ والتغيرات البيولوجية والتطور النفسي كلها عوامل تحدث تغيرات من الصعب على المراهق نفسه أحيانا إدراكها واستيعابها.
- البعد الرابع: عدم استقرار الوضع؛ يعيش المراهق تغيرات عدة تهم جميع المستويات مما يجعله يعيش وضعا نفسيا غير قار.
- البعد الخامس: الأفق الراهن؛ تغير النظرة تجاه الواقع والمستقبل.
فالطفل لا يميز بدقة بين الواقع وغيره، كما أن المستقبل عنده مشوب بالحلم أكثر منه بالواقع.
أما المراهق فلكي يدرك الزمن ويميز بين الواقع والمستقبل فهو يحاول التخلص من التخيل والإيهام، حتى يستطيع إدراك المستقبل كزمن وكيفية استغلاله في وضع تصورات ومشاريع معينة.
- البعد السادس: عدم تحديد الانتماء.
يسعى "ليفين" من خلال نظريته (المجال) إلى إبراز أن حياة الإنسان تتميز وتتحدد بأبعاد الواقع. هذه الأبعاد التي تعطي فروقا فردية و تكوينية و تنموية و ثقافية في السلوك مرتبطة أساسا بنوعية و طريقة تنظيم المناطق المختلفة التي يقع الفرد تحت تأثيرها.
تذهب نظرية المجال إلى تشبيه المراهق بالشخص الهامشي أو المهمش في المجتمع؛ فكلاهما يوجدان على مشارف جماعتين. كل يسعى إلى تغيير جماعته للانتماء إلى جماعة أخرى، وبالتالي فهما في هذه الحالة الانتقالية يوجدان على هامش الجماعتين، وبالتالي السقوط في حالة عدم الاستقرار النفسي والتناقض وفقدان الثقة والشعور بالقلق.
إن نظرية المجال تعتبر المراهقة مرحلة انتقالية في حياة الفرد، مرحلة يعاني فيها الكثير من الاضطرابات، فنحن أمام حالة نفسية غير مستقرة.
نظرية "ألبورت"
"ألبورت" عالم أمريكي اهتم بالعديد من الموضوعات السيكولوجية، خاصة المتعلق منها بالشخصية وبوسائل الإعلام.
تتفق هذه النظرية في دراستها لمراحل نمو الفرد – إلى حد كبير – مع الاتجاه الفرويدي في تتبع نمو الفرد من الطفولة حتى الرشد، إلا أن الاختلاف يبقى في أن "فرويد" يتتبع نمو الدافع الجنسي وتأثيره على سلوك الفرد في مختلف مراحل النمو. في حين نجد "ألبورت" يتتبع نمو الذات أو "الأنا" التي هي بمثابة نواة الشخصية، وذلك من الطفولة إلى سن النضج.
وقد وضع "ألبورت" ستة أبعاد للذات (الأنا) وذلك عبر مختلف مراحل نموها غير أننا سنقتصر هنا على الأبعاد التي تهم مرحلة المراهقة فقط.
- صورة الذات: حيث يصبح الفرد قادرا على وضع معايير يزن بها ذاته وقدراته ومؤهلاته ودوافعه، ويتعرف على الاتجاهات والقيم التي تضبط سلوكه وتوجهه.
- الذات العقلية والعارفة: أو ما يسميه "ألبورت" بالمجهود المركزي، وهو مجهود شبيه بالدور الذي يقوم به الأنا عند "فرويد".
إن نظرية "ألبورت" ترى بأن المراهقة هي مرحلة التمركز حول الذات، فالتغيرات العضوية والنفسية التي تحدث أثناء هذه الفترة تجعل الفكر ينعطف على ذاته فتبرز مشكلة الذات أو ما يسمى بالبحث عن الهوية الذاتية والسعي بحزم إلى تحقيق مكان لها ضمن بقية الذوات الاجتماعية الأخرى.
علم النفس المعرفي وتفسيره للمراهقة
رائد هذا الاتجاه هو "جان بياجي" الذي ارتبط أسمه بدراسة النمو المعرفي لدى الطفل على خلاف فرويد الذي يركز على دراسة النمو الانفعالي وتأثيره على السلوك.
إن هذا العالم في دراسته للمراهقة لا يركز على الاضطرابات التي تعرفها الشخصية، وإنما يركز على التفكير والعاطفة كعاملين أساسين يؤثران في هذه المرحلة:
أولا: التفكير؛ فتفكير المراهق يختلف عن تفكير الطفل، فهذا الأخير لا يفكر في الأشياء إلا بشكل حسّي بحسب ما تطرح عليه في الواقع. بخلاف المراهق الذي يستطيع بنفسه أن يبني نسقا فكريا بمواضيع مجردة.
هذا التحول في التفكير هو ما يسميه "بياجي" بالتفكير الشكلي؛ أي الانتقال من التفكير الحسي في مرحلة الطفولة إلى ما يسمى بالتفكير الشكلي.
يؤكد هذه الاتجاه أن المراهقة هي فترة التأملات والشطحات الفلسفية في حياة الفرد. فالأنانية الذاتية تدفع إلى الاعتقاد بأن الفرد له قدرة على إعادة بناء العالم، وأنه يتمتع بقدرة وقوة عقلية مطلقة الشيء الذي يدفع إلى الوقوع في مجموعة من الاضطرابات في علاقاته بالعالم وبالمحيط الذي يعيش فيه.
ثانيا: الجانب العاطفي؛ يتحدد هذا الجانب بمدى قدرة الفرد على الاندماج في مجتمع الراشدين. هذا الجانب نجده يتجسد في مدى تفاعل الفرد مع العلاقات الاجتماعية داخل المحيط الذي يعيش فيه.
إن نظرية علم النفس المعرفي لا تلغي بشكل مطلق السمات و الخلاصات التي خرجت بها النظريات الأخرى فيما يخص فهم وتفسير مرحلة المراهقة. فهذه النظرية تركز في ذلك على إبراز المظهر العقلي أو المعرفي وتأثيره في تحديد ملامح المراهقة حيث إن المراهق في هذه الفترة يتميز بنمو عقلي يحاول أن يوظفه ويحكمه في مختلف مظاهر حياته الأمر الذي يحدث مجموعة من الاضطرابات في عقلية توافقه وانسجامه مع بيئته المحيطة.
هذه، باختصار شديد، أهم مميزات وخصائص بعض النماذج من النظريات التي حاولت أن تفهم وتفسر المراهقة بالتركيز على مجموعة من العوامل والتي تختلف من نظرية إلى أخرى. ورغم هذا الجهد المبذول في تفسير هذه المرحلة التي تبقى مرحلة معقدة، فإن المراهقة تظل شيئا آخر غير هذا التحليل وغير هذا التناول الذي يحاول أن ينظر إليها كظاهرة ساكنة في حين أن المرحلة هي سيرورة متطورة ومتغيرة باستمرار.
*كاتب و باحث في الترجمة والتواصل/ المغرب.
........................
المراجع المعتمدة
- منصور حسين، ومحمد مصطفى زيدان، 1982، "الطفل والمراهق".
- نوري الحافظ، 1981، "المراهق" المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت.
- عبد اللطيف معاقيلي، 1996، "المراهقة" شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.
- أحمد أوزي، 1986، "سيكولوجية المراهق"، دار الفرقان، الدار البيضاء.
- أحمد أوزي، 1994، "المراهق والعلاقات المدرسية"، الشركة المغربية للطباعة والنشر، الرباط.
- مجلة علوم التربية، أكتوبر 1996، المجلد الثاني، العدد الحادي عشر، الشركة المغربية للطباعة والنشر.